عمر الأمل

عمر الأمل
فلنحيي في دواخلنا .. (( عمراً من أمل ))

الأحد، 5 ديسمبر 2010

حينها تفكرت





كثيرة هي المواقف التي مررت بها ومرت بي والتي استوقفتني حد التفكر ..
تُدهشني .. أو تُؤلمني .. تُسعدني .. أو تُحيرني ..  تُضحكني .. أو تُبكيني .. ولكنها في الأخير تُعلمني الكثيييير ...
 

منها مازار ذاكرتي الآن .. فأحببت أن أنثرها هنا ...


لوحة وجدار

ازدحام .. ضجيج .. تضجر .. وساعات من الانتظار الممل .. كل ذلك في مكتبة "التصوير والنسخ " في الجامعة ..

ذلك المكان أكثر مرافق الجامعة كُرهاً  لنفسي .. يُشعرني أننا في قمة التخلف الحضاري ..  وأننا  نحن والزمن واقفون لا نتحرك ..وأن الشكبة العنكبوتية لم تُخترع بعد.. ولكنني أظطر كما يظطر الجميع لزيارتها والحصول على تلك الوريقات والتي كأنها وريقات " النجاح والسعادة" الأبدية ..
 


دخلت بخطوات مثقلة .. وبروح مستعدة لإنتظار طويل .. ووقت ممل .. ومكان مزعج ..


كثيرة هي الارواح التي تتواجد هناك .. وكثيرة هي الاساليب التي يحاولونها لملء فترات الانتظار المملة ..
منهن من تجد في هاتفها الخلوي الحل .. فتُحدث كل من يخطر في بالها أن تُحدثه .. وتطول المكالمة .. فوقت الانتظار أطول ..
ومنهن من تدعوا صديقتها لمرافقتها لهذا المكان علها تُخفف شيئا من رتابة الجو هناك .. ومنهن من تلتزم الصمت والوقوف بشكل يجعلك تحاول التأكد أنها تتنفس وأنها مازالت على قيد الحياة ...


أخذت انظر الى كل شي حولي بكثير من التفكير .. الطالبات المنتظرات مثلي ..
 الموظفات المُنهكات حد العبوس .. فلا أثر يدل على أي ابتسامة قد مرت تلك الشفاه ..
ألآت التصوير ..التي تبتلع الأوراق البيضاء .. لتلفظها مرة أخرى بعد أن قامت بعملية النسخ .. والتي تتوقف أحيانا عن العمل وكأنها تعلن التمرد وتُعبر عن تعبها .. فتبدأ المحاولات من قبل الموظفات لإقناعها بالعودة الى العمل مرة اخرى ..

لم يبقى شيء لم أرقبه وقد أصابني الارهاق والملل وصرير الآلات وصوتها المزعج قد زاد الوضع سوءا..
فأخذت عيناي ترقب جدران ذلك المكان البائس ( بالنسبة لي ) .. فإذا عيناي تقع على لوحة صغيرة معلقة على أحد الجدران .. مكان وطريقة تعليقها تجعلك تجزم أنها قد عُلقت على استحياء ..
نظرت الى اللوحة واذا برسمها تدل على أن ماخُط في داخلها آية من القرآن الكريم ..
( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا ) .. كانت تلك الآية هي ماخُط داخل تلك اللوحة .. أخذت أعيد قراءة الآية حرف حرف فالبرغم من قرائتي للقرآن ( والحمد لله ) ..
ولكنني والله وكأنني لأول مرة في حياتي أقرأ هذه الآية حتى انني ذُهلت من نفسي حينها وأخذت أقول ( هل هي آية من القرآن ؟؟ ) ..


حينها اختفى صوت الالآت من أذناي وأحسست أن المكان فارغ تماما وأنني أنا وحدي من فيه .. وعيناي مازالت تُعانق اللوحة .. وعقلي وروحي تُحدثني بالكثير ..

( لوسمحتي ياطالبة أوراقك ) فقت على صوت الموظفة وأخذت تلك الوريقات التي طال انتظارها .. وخرجت من ذلك المكان بخطى أثقل مما دخلت بها

أذكر أنني قطعت مسافة طويلة في اروقة الجامعة دون أن أشعر بقطعي لتلك المسافة .. فلم أعد اسمع سوى صوت تلك الآية تتردد بصوتي .. وانتباتني رغبة في العودة الى المنزل للبحث عن هذه الآية .. وبالفعل تم ذلك .. وكانت هي الآية ال38 من سورة الحج ..

 

( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا ) .. هل لكم ان تتفكروا في هذه الآية بعمق .. فو الله لو آمنا بها تمام الايمان .. لطابت خواطر المظلومين .. ولَتبدد قهرهم .. وارتاحت أفئدتهم .. وعلت همتهم ..


دفاع الله سبحانه بقدرته وقوته وجبروته عن المؤمنين منا .. تعني أنهم منصورون .. رابحون .. أقوياء ..سعداء ..





سرير أبيض وعقيدة سليمة

أسرة بيضاء .. أجساد متعبة .. معاطف بيضاء تحاول التخفيف .. ووعكة صحية جديدة تنتاب جسد أمي ( شفاها الله  وعظم أجرها وأطال في عمرها ) ..
قرر الاطباء لزوم مكوثها في المستشفى لعدة أيام .. وكان ذلك ..


دخلنا الجناح المخصص للتنويم .. كل شي كان يسير على مايرام الا شيء واحد .. هو " سوء الجوار " .. فقد كان السرير المجاور والذي لايفصلنا عنه سوى " ستار " تستلقي عليه سيدة عجوز .. ( رافضية العقيدة  ) .. فكم أكرههم .. و أكره فساد عقيدتهم .. وعقولهم الجوفاء ..
كانت من جنسية غير عربية قادمة للحج بحسب اعتقادي (( و يالله تعب وسفر وحج ومرض .. ولكن عقيدة فاسدة )) ..

 أذكر حينما تحل اوقات الوجبات ( الفطور - الغداء - العشاء ) .. تبدا رحلة امي معي بإقناعي وإلانة قلبي لكي اساعد " الجارة الثقيلة " في تناول وجبتها وتردد فالنرحم ضعفها وغربتها .. وكان لأمي ماتريد ..

مرت لحظات كثيرة مُزعجة .. مُرهقة .. مُتعبة .. مُؤلمة .. وكانت أمي تستقبلها بكثير من الصبر والرضا ..
لحظة واحدة  فقط هي من ثارت لها روح امي حد الانتفاض والغضب ..
كان حينها موعد الاجساد المنهكة مع النوم والشعور بشيء من الراحة .. كل شيء كان يحفه السكون والصمت .. ولكن أنغص ذلك السكون صرخات تلك الجارة ..
بدأت تبكي وتنادي وتناجي " يا أمير المؤمنين .. يافاطمة الزهراء .. يا أمير المؤمنين ".. حينها انتفضت أمي .. واتجهت الى ذلك الستار الذي يفصلنا ( ناسية ذلك الانبوب الذي كان مغروساً في يدها ) ..

ازاحت الستار بقوة وبكثير من غضب وقالت لها :
(( أمير المؤمنين الآن تحت التراب .. فاطمة الزهراء الآن تحت التراب .. قولي يا الله يا الله يا الله ))

عادت الى سريرها وهي تردد ( استغفر الله .. استغفر الله .. استغفر الله ) ..

وقفت مشدوهة من ردة فعل أمي فهي كعادتها تُبهرني بمواقفها .. وبالرغم أنها لاتحمل سوى الشهادة الابتدائية .. ولكنها استطاعت الرد بكلام عجز عنه كل المتعلمين في " الجناح " ومنهم أنا " الجامعية " ..
عبارة واحدة ولكن معناها  احتوته المئات من كتب العقيدة .. لا مُناجاة لبشر ضعفاء ميتون .. والمناجاة لله  وحده فهو الحي الذي لايموت .. لا إله إلا هو بيده أمر كل شيء ..


سلامة العقيدة .. والإنتصار لها  ..وقوة الايمان .. لاتحتاج إلى شهادات أكاديمة عالية ..
ولا إلى قدرات شخصية مُميزة ..
 




غريبة تستر .. وقريبة تفضح

وعكة صحية جديدة تنتاب أمي .. وسرير أبيض جديد يضُم جسدها .. واقامة أخرى في جناح التنويم ..

كانت الساعة تُشير الى الثانية ليلاً بعد مُعاناة دامت من العصر تقريباً .. دخلنا الى جناح التويم .. والى السرير المُراد ..
استلقت امي على السرير عل جسدها يجد شيئا من راحة .. وعينها تخلد الى نوم يخلو مما ينغصه ..

في ذلك الوقت قدمت الينا سيدة في الاربعين من عمرها تقريبا .. بدأت بالسلام على امي وأخذت تتحدث .. وتتحدث .. وتتحدث ..
كانت تشكو من ظروفها الزوجية البائسة .. وحياتها التعيسة ..
وبالرغم من سوء اختيار السيدة لوقت الحديث والكلام ولكن امي  كانت تستمع لها بإنصات وبصمت مطبق ..ولم تُظهر لها  أي شعور بالضجر..
 لم تسألها امي الا سؤال واحد فقط وهو ما سبب وجودك هنا ؟؟..
 فردت عليها : أنها تشكو من آلام شديدة في المعدة .. وعادت أمي تستمع لها من جديد ..
وبعد كلام كثير .. وقصص بائسة .. قررت السيدة ترك امي لكي تخلد الى الراحة .. وأمي مازالت صامتة ..

استلقت امي .. وأنا كذلك .. واذا بأمي تقول : تلك السيدة أذكرها جيدا .. ولكنها لاتذكرني ..
قلت لها بتعجب : أتعرفينها ( لأنه لم يصدر من امي اي شيء يدل أنها تعرف تلك السيدة .. طوال مكوثها عندنا ))
قالت : نعم
أتذكرها قابلتها هنا في نفس هذا المكان .. قبل عشرة سنين من اليوم .. كنت  حينها أرافق " جدتك " في مرضها ..
قلت : سبحان الله
فأكملت أمي تقول : كان سبب وجودها هنا قبل عشرة سنين .. هي ( محاولة انتحار ) عن طريق ابتلاعها جرعة كبيرة من دواء ما..
وهذه المرة كذلك .. اعتقد انها محاولة انتحار أخرى ..
لم استوعب ماقالته امي .. او انني استوعبته جيدا .. ولكنني لم اكن قادرة على ربط تفاصيل الاحداث .. بسبب دهشتي ..
كان ذلك الحوار فقط هو مادار بيني وبين امي حول تلك السيدة .. فلم تتكلم امي عنها بكلمة واحدة طوال فترة مكوثنا هناك ..

كانت تلك السيدة تأتي الى امي وتشكو .. وامي تستمع لها ..كل يوم تقريبا ..

أيام مضت هادئة .. وخاصة بالنسبة لتلك السيدة .. ولكن اللحظات الهادئة لا تستمر طويلاً ..
كنا في وقت الصباح .. ولكنه اصبح فيما بعد صباحاً غير اعتياديا يحفه الألم والدهشة ..
قدمت أخت تلك السيدة  ( وكانت تصغرها ) من سفرها ( حيث أنها من جنسية عربية ) .. وهي في قمة ضجرها .. وصوتها بدأ يعلو .. ويهز الجناح ..

 لقد تعبنا منها .. زوجها رجل طيب وشهم .. هذه المرة الثانية التي تحاول الانتحار فيها .. المرة الاولى أخرجها أخي ..
لكن هذه المرة أقسم أن لا يخرجها  اظطررت الى السفر انا وزوجي وولدي لكي ننهي اجراءات الشرطة واخراجها من هنا ..

وياله من ألم و ( فضيحة ) لتلك السيدة الاربعينية ... بدات الدهشة تعلو الوجوه .. وبدات عبارات العتاب توجه لها  بقسوة ..
اتنتحرين من اجل رجل ؟؟  ... هل تريدين الخلود في النار ؟؟.. والكثيررر من تلك العبارات ..


وقفت تلك السيدة دون ان تنطق بكلمة واحدة .. لا شيء سوى الالم والفضيحة  يعتصرها حد الموت ...


كنت أنا وأمي وحدنا اللاتي لم نُدهش .. فالحقيقة خبأتها صدورنا منذ يومنا الاول هنا ..

جل ماآلمني .. هو موقف تلك الأخت .. وأخذت أتفكر في موقف أمي ( الغريبة عن تلك السيدة ) .. وموقف الأخت .. التي تحمل الدم ذاته الذي تحمله عروق أختها ( الكبيرة ) ..

أمي آثرت ( الستر ) عليها .. بينما آثرت أختها ( فضحها  )  وكسرها أمام الجميع حتى أمام ولدها ذا الثمانية أعوام تقريبا ..

 حينها أيقنت أن الشخص القادر على ان يستر على الآخرين .. هو شخص يحمل في داخله .. ايمان صادق .. وحكمة جلية .. وقلب مُرهف ..وشخصية قوية ..



كونوا بخير ..



دمتم في حفظ الرحمن

 

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

حبيبتي عمر الأمل
هنا .. حيث لسرد الأحداث معنى
وللبوح بما علق في ذاكرتك ..

سرد يشدني بقوهـ لأكمل ما خطته أناملك الرقيقه ..
لأكمل ما كتبتيه وأقول معك ( حينها تعلمت )

دامت أحرفك
كنت هنا