نحن أم الهموم

حياتنا أشبه بساحة نزال تضمنا نحن والهموم .. تحاربنا ونحاربها .. ولكن  لمن  ستكون الغلبة  في نهاية المطاف لنا نحن أم للهموم ؟؟!!

نحن : أناس خُلقنا لنعبد الله ولنُعمر الأرض .. وهبنا الله عقلاً مُفكرا .. وقلبا
واعيا وارادة قوية .. وإحساسا بالمسؤلية ..
نعيش في الحياة أياما لانعلم عددها ..ونستقبل أقداراً لانعلمها إلا حين وقوعها

الهموم : أحزان وشجون كُتبت في أقدارنا.. مصائب وأحداثاً مؤلمة لا يد لنا في
اختيارها تجتاح حياتنا فجأة وتسكن معنا حتى وإن لم نرغب في التعايش معها ..

من الأقوى نحن أم الهموم ؟

نحن فقط من نجعل من أنفسنا أقوياء نتغلب على  همومنا ونطفىء نارها ونجتث جذورها.. ونحن فقط من نهدي  للهموم سيفاً مُدمياً تقتلنا به ..

لم يخلقنا الله ضعفاء ولا مسلوبي الإرادة .. خلقنا وجعل لنا وسعاً وطاقة لن يحملنا
غيرها ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة ..286

متى نصبح نحن الأقوى ؟

 عندما نتعايش مع همومنا بالرضا .. فلاهناك أقوى من الرضا بما كتبه الله علينا من هموم وأحزان في التغلب عليها .. فالرضا يبعث في أنفسنا الطمأنينة وحسن الظن بالله ..

ورزقك ليس ينقصه التأني -------- وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور-------- ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوعٍ--------- فأنت ومالك الدنيا سواء

إن من أساسيات الصحة النفسية " الرضا بالقدر والمرونة في التعايش مع الواقع "
فمن تنازل عن هذا الاساس  فإنه سيرمي نفسه في أحضان الهم والحزن والدموع بل وحتى المرض ( هناك مقولة لأشهر أطباء العالم يقول فيها : إن اغلب أمراض المعدة ليس مما تأكله ولكن مما يأكلك ) وبالطبع لايأكل الانسان ويضعف همته ويعتصر قلبه سوا الهم

دموعنا على من فقدنا لن  تُسقي قبورهم و تُحييهم  لنا من جديد ..
دموعنا لن تُنبت الأجنة في الأرحام .. ولن تُولد للفقير أمولاَ وثروة .. ولن تُرجع حقوقنا المسلوبة .. ولن تُبرد حرقة قلوبنا ..

الدعاء مع الرضا بالقدر وحسن الظن بالله كفيلة .. بتخفيف اللوعة .. وبناء الهمة
والوصول إلى القمة..

من المواقف التي مررت بها والتي عشت فيها مفارقة عجيبة استوقفتني حد الألم
هو إحدى زياراتي "لمركز غسيل الكلى الدموي لمرضى الفشل الكلوي"
 هناك وجدت أناس كُتبت في أقدارهم أنهم مرضى ..يتجاذبون أطراف الحديث ويأكلون
ويتمازحون ويأخذون وضع الجلوس بدلاً من الاستلقاء على الأسرة .. تعلو وجوههم
الابتسامة وتطوق أرواحهم روعة الرضا وقوة الإيمان بما كتبه الله عليهم .. بل انهم
رحبوا بي بروح ندية لم اجد لمثلها سَمِّيه .. بالطبع ليس هذا ماآلمني بل ماآلمني
هو حال فتاة في العشرين من عمرها .. عانق روحها الهم ومُلئت نفسها حزناً وضيق ..
بمجرد دخولها أسرعت خطاها الى السرير واستلقت بوضع " القرفصاء " لملمت جسدها بقوة تكاد أن تُلصق ضلوعها واسدلت غطاء السرير على كامل جسدها حتى أنه لم يظهر من جسدها شيئاً وكأن أعماقها تصرخ قائلة : لاأريد أن اكون هنا .. لا أريد أن أعيش هكذا .. وظلت كذلك طوال فترة جلسة الغسيل والتي استغرقت قرابة الخمس ساعات

هي وهم كُتب عليهم القدر نفسه .. يعيشون الألم نفسه .. يقطنون المكان نفسه
ويتجرعون المرارة نفسها .. بل على العكس منهم من هو أشد مرضا وألما .. وأصغر سنا
واسوء حالاً والحمد لله على كل حال ..
بالرغم أنهم تشابهوا في التفاصيل ولكنهم اختلفوا في " الاساس "  تشابهوا بالفروع ولكنهم اختلفوا في " الجذور " وهي الرضا بالقدر والمرونة في تقبل الواقع وحسن الظن بالخالق ..

حينها فقط أيقنت أننا نحن فقط من نفتح للهموم باباً يشوه دواخلنا ويُضعف عزيمتنا
ويُزعزع إيماننا ويزيد مرارة حياتنا .. وأننا نحن فقط من نعطي أنفسنا القوة التي
تجعلنا نُوصد الأبواب في وجه الهموم .. ونُشعل شموعاً من الأمل والأمن والفرح
تنور تفاصيل حياتنا..

 ~ نبضة  أمل ~

سهرت أعين ، ونامـت عيـون            في أمـور تكـون أو لا تكـون
فادرأ الهـــم  عن النـــفــــس            فحملانـك الهـمـوم  جـنـون
وإن رباً كفاك بالأمس مـا كـان          سيكفيك فـي غـدٍ مـا يكـون

دمتم في حفظ الرحمن ..